معنى الفطرة، وعلاقتها بإبراهيم ﷺ
ـــــــــ قالَ اْللّٰه،. ﴿وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ))﴾ [الزخرف : 23]
إن أرادوا آباءً يقتدون بهم، فالأصل أن يتبعوا أبيهم إبراهيم ﷺ، فقد جعله اللّٰه للناس أباً،. ﴿..مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ..﴾ [الحج : 78]
وإن أرادوا أمةً!! فــ ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ((أُمَّةً)) قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل : 120 ــ 121]
وأُمة، أصلها من أم،. والأم أصل الشيء،. ومبدؤه، كذلك نقول للفاتحة وهي أول الكتاب،. أم الكتاب وأم القُــرآن!
لكن لماذا إبراهيم ﷺ (أمة)؟! ما علاقة أبونا إبراهيم بالأصل والمبدأ؟!
قال إبراهيم ﷺ،.. ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي ((فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [اﻷنعام : 79]
كذلك هنا،. ﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ((الَّذِي فَطَرَهُنَّ)) وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [اﻷنبياء : 56]
لماذا حين يذكر إبراهيمُ ربَّه،. يذكر أنه فطره؟!
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي ((فَطَرَنِي)) فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف : 26 ــ 27]
واضح أن هناك ربط بين إبراهيم والفطر،.. أو الفطرة! وحتى نفهم العلاقة،. علينا أن نعرف معنى الفطرة،. ثم ننظر في الشواهد بين إبراهيم (الأمّة) والفطرة!
الفطرة
الفطرة،. أصلها فَ طَ رَ،. وتأتي في اللسان علىٰ معنيين، المعنى الأول نعرفه من سورتي الانفطار والانشقاق،. من قول اللّٰه، ﴿إذَا السَّمَاءُ اْنفَطَرَتْ﴾ وقوله ﴿إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ﴾،. وﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ؛ ﴿ﺃﻥ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ، ﺣﺘﻰ ((ﺗﺘﻔﻄﺮ)) ﻗﺪﻣﺎﻩ..﴾ أي تتشقق قدماه،.
والمعنى الآخر هو الفِطْرُ: أي بدءُ الخلق،. مبدؤه وأوله، والفِطرة هي الأصل الأول،.. قبل أي شيء،. بدليل،.
ــــ ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي ((فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [اﻹسراء : 49 ــ 51]
فالذي كان أول مرة،.. اسمه فَطرٌ،.. ((فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ))
ــــ ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قال ﴿كنتُ لا أدري ما ((فاطرُ السَّمواتِ والأرضِ)) حتَّى أتاني أعرابيَّان يختصمان في بئرٍ، فقال أحدُهما: ((أنا فطرتُها، أنا ابتدأتُها))﴾ ابن كثير - فضائل القرآن - 125.
عرف ابن عباس أن الفرق بين الفطر والخلق، هو أن الفطر يكون من لا شيء،. أما الخلق، فقد تخلق من الطين كهيئة الطير! فأنت اخذت الطين ابتداءً ثم صنعت به، فهذا خلقٌ،.. أما الفَطرُ فيكون من العدم. ومنها الفطرة، أي الأساس الأول،.. قبل كل شيء،.
ــــ وأول طعامٍ تأكله بعد صوم، إسمه ((فطور))،. لأنه أول طعام، قبل كل شيء،.
ــــ الفطرة ليست الإسلام كما يُظن! الفطرة شيء والاسلام شيءٌ آخر،. (ولو وجدت بينهما تشابه) الفطرة هي ما أنت عليه دون يُملى عليك شيء،. الفطرة قبل أي شيء،. قبل أن تتكلم، أو تعمل، أو تؤمن،. أو تدين بأي دين،. الفطرة أنك علىٰ أصلك دون إملاءٍ من أحد،. كالطفل مثلاً قبل أن يدين بأي دينٍ هو علىٰ الفطرة،.
ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ "((ﻛﻞ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻄﺮﺓ)) ﻓﺄﺑﻮاﻩ ﻳﻬﻮﺩاﻧﻪ ﻭﻳﻨﺼﺮاﻧﻪ ﻛﻤﺎ ﺗﻨﺎﺗﺞ اﻹﺑﻞ ﻣﻦ ﺑﻬﻴﻤﺔ ﺟﻤﻌﺎء ﻫﻞ ﺗﺤﺲ ﻣﻦ ﺟﺪﻋﺎء، ﻗﺎﻟﻮا ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺃﻓﺮﺃﻳﺖ ﻣﻦ ﻳﻤﻮﺕ ﻭﻫﻮ ﺻﻐﻴﺮ؟ ﻗﺎﻝ: اﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﺎﻣﻠﻴﻦ" ﺃﺧﺮﺟﻪ ﻣﺎﻟﻚ، ﻭاﻟﺤﻤﻴﺪﻱ، ﻭﺃﺣﻤﺪ، ﻭﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ.
المولود (في أول أمره)،. علىٰ الفطرة،. أي ليس علىٰ ملّة معينة،. بل قبل أن يَدِين! وقبل أي إحداث!
جمعاء من الجمع، يعني كاملة ليس فيها نقص،. ثم (يحدث) الناس فيها أموراً ليميزوها،. فيضعون عليها علامات،. أو يقصون آذانها وهذه تسمى المجدعة أو الجدعاء،.. فالذي حدث فيها بعدُ،. ليست من الفطرة، الفطرة حين كانت أول الأمر جمعاء خالية من أي إحداث،.
ــــ ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ "ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻟﻴﻠﺔ ﺃﺳﺮﻱ ﺑﻪ: ﺭﺃﻳﺖ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﺇﺫا ﺭﺟﻞ ﺿﺮﺏ ﺭﺟﻞ، ﻛﺄﻧﻪ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺷﻨﻮءﺓ، ﻭﺭﺃﻳﺖ ﻋﻴﺴﻰ، ﻓﺈﺫا ﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﺭﺑﻌﺔ ﺃﺣﻤﺮ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﻳﻤﺎﺱ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﻭﻟﺪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﷺ ﺑﻪ، ﺛﻢ ﺃﺗﻴﺖ ﺑﺈﻧﺎءﻳﻦ، ﻓﻲ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﺒﻦ، ﻭﻓﻲ اﻵﺧﺮ ﺧﻤﺮ ﻓﻘﺎﻝ اﺷﺮﺏ ﺃﻳﻬﻤﺎ ﺷﺌﺖ، ﻓﺄﺧﺬﺕ اﻟﻠﺒﻦ ﻓﺸﺮﺑﺘﻪ ((ﻓﻘﻴﻞ ﺃﺧﺬﺕ اﻟﻔﻄﺮﺓ))،