د. مَـاهر عيسى حَبيب
جَاءت لَفظةُ البندقية في اللغة العَربية من النسبةِ إلى البُـندق، وهو حَصى صَغيرة -أو ما شَابَهها- كانت تُرمَى من آلةٍ اُسطوانيةٍ لِصيد الطيور، ومن هُنا فسرت بَعضُ المَعاجمِ العربيةِ الحديثـةِ المُفردةَ، فجاءت فيها بِمَعنى: ((قناة جوفاء كانوا يَرمُون بِها البندق في صيد الطيور، وآلة حديد يُقذَفُ بِها الرصاص (على التشبيه بالأولى) وهي أنواع ..)). ولذلك نجد د. تيمور وجدَ في كلمة سَبطانة مُرادفاً لها.
بَينما اضطربت في تَفسيرها بعضُ المَعاجمِ العربية الأقدم نسبياً، مِمَا يَـعكسُ حَداثة استخدام المُفردة في العربية، فَاستخدمَت في تَفسير كلمة ( البندقية ) لَفظةَ البارودة، وربما توهَّمت فجعلتها من النسبة إلى مَدينة البندقية، فجاءَ: الـبُندقية البارودة نسبةً إلى البندق الذي يُرمَى بِها وهُـوَ الرصاص المسبوك كروياً أو إلى بِلاد البندقية ... وكانَت شرحت لَفظة الرصاصة بَـأتها: .. عند المولَّدين كُـرةٌ من الرصَاص بقدر البندقة ...
فأما لَفظةُ البارودة فقد جَاءت بدورها من النسبةِ إلى كلمة (بُورِبيتِيس) اليونانيِّة والتي جاءتنا عن طريق التُركية (باروت) barut على أرجح الآراء بِمَعنى بارود أو مُفرقعات، ذلكَ أنَّ الأنواعَ الأولى من البنادق كانت تُحشى بالبارود.
ولَـفظة البارودة هي المُستخدمَة في أكثر العاميات العربية، باستثناء المَغرب العَربي حيثُ نجدُ كلمة (المكحلة) هي الكلمة الأكثر استعمالاً، وكذالك استُحدمت كلمة البنقية في التُركية العُثمانية فقد جاء في مُعجم الـ Red house: ((بُندقية: أسطوانة صلبة أو بارودة لإطلاق الرصاص )).
وقد نجدُ اللفظةَ في النصوص العربية من القرن التاسع عشر، مُضافةً إلى كلمة الإبرة، فجاء تَركيب (بَنَادِقُ الإِبْرَة ) ، وتٌفيدُنَـا المَراجعُ المُختصَّة أنَّ بِداية القرن التاسع عشر شَهِدَت اختراعاً مُتقدَّماً في صِناعة البَنادق؛ فَفي .. عَام 1807 سجّل القس الاسكتلندي ألكسندر فورسايت اختراعهُ للزند القادح الذي كان له الأثر الكبير على تطور صِناعة الأسلحة النارية، سُمِّي بالزند القادح لأنَّ الضربة الصادرة عن الطارق كانت تُشعِلُ البندقية وبذلك تمَّ الاستغناء عن استعمال حجر الصَّوان والفولاذ... وكذلكَ ابتكرت مَصانعُ كروب الحربية الألمانية بُندقيةً احتكر استخدامها الجيش البروسي منذ عَام 1861 ثم أنتجَ مَدفعاً جديداً كانت مصر أول دولة تَعاقدت للحصول عَليه عام 1856 ..
فقد يكونُ المَقصودُ مِنَ الإضافةِ إلى كلمةِ الإبرةِ التعبير عن هذا النوع المُتطور من البنادق حيثُ تقوم الإبرة بدور الزند القادح.
د. مَاهر عيسى حبيب