أُصول أَسمَاء العُمُلات في اللغات الإنسانيَّة
بالرَّغمِ ممّـا تُشكِّلهُ العُملةُ مِنْ أهميَّةٍ كبيرةٍ في حَياتِنا اليوميَّةِ؛ فقد يكونُ مِنْ الطَريفِ البديعِ أنَّها لا تمتـلكُ هذهِ الميزةَ بالنسبةِ إلى اللُّغةِ وفي ذلكَ مُفارقةٌ أيّما مُفارقة !.
فبينما تكوِّنُ العملةُ أساساً في حَياتِنا نَلهثُ مِنْ أَجلِ إرسائِه، فإنَّ الألفاظَ الدالةَ عَليها فَرعٌ في اللغةِ الإنسانيةِ، إذْ هي في الغَالبِ فرعيةٌ ارتبطت أو تطورت عن دلالاتٍ أُخرى، تتعلّقُ باللونِ، أو بالقطعِ والتجزيء، أو بالعدد، أو بأسماء المَعادن، كما نجدُ أنَّ بعضَ هذه العملات يُكنّى عنه بأسماء أُخرى غير أسمائها الحَقيقية.
وينطبقُ ذلكَ على مُعظمِ أسمَاءِ العُملات المُشرقيةِ التي تناولناها، وبعض العملات الغربية التي أسعفتـنا المراجعُ في الوقوفِ على دلالاتِها الأصليةِ، بينما تخرجُ أسماءُ عملاتٍ غَربيةٍ أُخرى عن هذه القاعدة؛ فَترتبطُ بِمَعنى المُلك ! ولكنا لا نستطيعُ الجزمَ بأنّ ذلك فَرقٌ جوهري بين أسماء العملات المَشرقية وأسماء نظيراتها الغربية، والسببُ في ذلك يَعودُ إلى قلةِ الألفاظِ الغربية التي استطعنا الوقوفَ على دلالاتها الثانية، والتي -ربما- لا ترتبط بمَعانٍ أُخرى غير دلالتها على العملة.
والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ جداً؛ فَمِنْ أسماءِ العملات التي اشتُـقَّ لَفظ اسمها من الدلالةِ على اللون كلمة الأقجة، وهي عملةٌ تركيةٌ ضُرِبتَ لأول مَرة في عَهد السلطان أورخان العُثماني .. والكلمة تركية مَعناها مائل إلى البياض، وجاءت في مُعجم الـ Redhouse بِمَعنى: ما هو أبيض، أو شاحب، ذابل أو مُتلاشٍ مُضمَحل ..
ومن أسماء العملات التي تدلُّ في أصل معناها على القطع أو التجزيء كلمة ألتيك أو (ألتيق)؛ وهي أيضاً اسم عملة تركية يُطلَقُ على قطعة ذات ستة قروش، وأصل معنى الكلمـة في التركية العُثمانية: مُقسَّم، أو مُكوّن من ستة أجزاء.
ومما ينطوي ضمن هذه الفئة لفظة بَارَة الفارسية الأصل؛ فَهي عملةٌ تركيةٌ ترجعُ أقدمُ إشارةٍ إليها إلى عام 1582م وقد ضُرِبت أولاً من الفضة بقيمة قدرها أربع أقجات، .. وأصبحت البارةُ في نِظامِ العملة المَجيدي الذي اتُبِعَ عام 1844م قطعةً صغيرةً من العملة النُحاسية تُضرَبُ في استامبول ومصر. ومَعنى البارة في الأصل الفارسي: المَرَّة، الكرَّة، القطعة، ومن مَعانيها في المُعجم الفارسي الكبير: ((قطعة،.. جزء، سهم، حصة، نَصيب ..)).
ونَجدُ من العُملات التي ينطبقُ عليها مَعنى القطع أيضاً كلمةُ روبل؛ وهي اسم العملة الروسية التي صَدَرَت أولا في عهد بطرس الأكبر، فَاللَفظة مُشتقةٌ من (روبيتي) بِمَعنى يَقطع.
وأمَّا أسماءُ العُملاتِ التي ترجعُ في أصلِ معناها إلى عدد فمنها لفظة بشليك، وهي عُملة تُركيّة ضُرِبت إبان الإصلاح النقدي الذي وضعه السلطان سُليمان الثاني (1687- 1691م) وأساسها غروش، وتأتي في التركية العُثمانية بِمَعنى خُماسي، أو أي شيء مُتعلّق بالرقم خمسة؛ كما أوردها مُعجم الـ Redhouse .
وينطبقُ ذلكَ على لَفظة تومان الدالةِ على اسم العملة في إيران؛ فَلهذه المُفردة في الفارسية مَعانٍ كثيرة طبقاً لاستعمالاتٍ عَديدةٍ، فقد استُعمِلَ هذا اللفظُ أولَ الأمرِ استعمالاً عاماً بِمَعنى كثير جداً ثم أصبحَ اسم عَدد بِمعَنى عَشرة آلاف .. وتُستعملُ كلمة تومان أحياناً بِمَعنى .. قبيلة .. ولذلك نرى القلقشندي في صُبح الأعشى قد استخدمَها للدلالةِ على عدد الجندِ في مَملكة فارس فقال: ((.. وعدة جيشهم المُنزَّلة في دواوينهم لا تبلغ عشرين توماناً أما إذا أرادوا فإنَّهم يَركبون بثلاثينَ توماناً وما يَزيد عليها ..)).
ومما ينطوي ضمن الفئة التي يدل لفظُ اسمها في لغتها الأصلية على مَعنى العدد لَفظة الدينار، إذْ تدلُّ على نقد روماني قديم يَشتمل على عَشر وحدات، وتعود في أصلها اللاتينيdenarium إلى مَعنى عشريّ.
في حين نجدُ أن أسماءَ طائفةٍ أُخرى من العُملات ترتبطُ دلالتها بِمَعنى المَعدن؛ ومن ذلك لَفظة الروبية الدالة على اسم العملة الهندية؛ حيثُ إنّ لَفظَ روبية مُشتقٌ من السنسكريتية بِمَعنى فضة.
وكذلكَ لَفظة الصادي؛ وهي وحدة نقد تُركية، ومن معانيها في التركية العُثمانية: نُحاسي أو مَصنوع من نُحاس لين.
ويَدلُّنا مُعجم The American Heritage Dictionary إلى أنَّ أصل لَفظة جنيه Guinea الدالة على اسم عُملة في كثير من البلدان العربية والأجنبية، يَعودُ إلى الساحل الغيني الإفريقي مَصدر الذهب حيثُ صُنِعَ الجنيه هناك لأول مَرة، مما يُوحي باحتمال ارتباط هذه اللفظة بالذهب.
وثمّةَ أسماء عُملاتٍ أُخرى ترتبطُ بالوَزنِ مثل لَفظة ليرة المُستخدمة في كثير من بلدان العالم في أيامنا هذه، إذ يُرجعها مُعجم The American Heritage Dictionary إلى Libra (ليبرة) اللاتينيةً حيثُ تدلُّ على وحدة وزن. علماً بأن لَفظتي: درهم ودينار تُستعملان في العربية للدلالة على الوزن أيضاً؛ يَقول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: ((وبالجملة الدرهم في اللغة اسم لِمَضروب مُدوّر من الفضة، وفي الشرع يُطلقُ على وزن ذلك المَضروب في الزكاة .. على قِياس الدينار فإنهُ يُطلَقُ لُغةً على المَضروب وشرعاً على وزن ذلك المَضروب ..)).
إلاَّ أننا نجدُ أسماء عُملات أُوربية لا تدخل ضمن أي من المَجالات السابقة؛ بل ترتبط في أصل دلالتها بِمَعنى المُلك ! مثل لَفظة رِيـال الدالة على العملة المَعروفة، فنجد أنَّ أصلها اللاتيني rēgālis ,royal مُكوّن من rēx rēg ملك.
ومن ذلك أيضاً لَفظة دوكات ducat وهي عملة قديمة ذهبية أو فضيَّة، وتندرجُ ضمن هذه الفئة إذا صحَّ ما ذكره القلقشندي من أن هذه اللفظةَ تُطلَقُ على الدينار، وذلك في قوله: ((..ويُعبَّرُ عنهُ أيضاً بالدوكات. وهذا الاسم في الحقيقة لا يُطلَقُ عليه إلاَّ إذا كان ضَرْبَ البُنْدقيَّه من الفرنجة، وذلك أنَّ المَلك اسمه عندهم دوك ..)). علماً بأن المصادر الأوربية الحديثة التي بين أيدينا لا تُشير إلى هذا الارتباط.
وقد بقي أن نذكر العُملات التي لها استخدامات كنائية مُستمدةٌ في الأغلب من صورتها، أو من شكلها لحاجة التفريق بينها وبين عُملات أُخرى مُشابهة لها، وذلك من مثل لَفظة الشلن shilling وهو ضربٌ من مُعاملات الإنكليز يُساوي نصف العشر من ليرتِهم وضُرِبَ لأول مَرة من الفضة عام 1504 في عهد شارل الثاني، ثم ضُرِبَ في عهد جورج الرابع نوع من الشلنات سُمّيَ شلن الأسد إذْ كان يَحمل صورة أسد متوج فوق رسم التاج البريطاني.
ومن ذلك أيضاً الفرنك الفرنسي وهو عملة فرنسية ضُرِبَ لأول مَرة من الذهب في عهد جون الثاني (1260) الذي سجّل اسمه باللاتينية حول صورته وهو يَمتطي حِصانه ولذلك سُمّيَ ((فرنك أبو حِصان)) لتمييزه عن نقد مُماثل ضربه شارل الخامس.
مـن أهـم المَـصادر والمَـراجع
أ- العربية:
- تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بِحروفه، طوبيا العنيسي دار العرب للبُستاني، القاهرة 1988- 1989.
- دائرة المَعارف الإسلامية، أحمد الشنتناوي (وآخرون) راجعها محمد مهدي علاّم، ط2 1934.
- صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القلقشندي (أبو العباس أحمد بن علي) نسخة مصوّرة عن الطبعة الأميرية- وزارة الثقافة (د. ت).
- كشّاف اصطلاحَات الفُنون، التهانوي (محمد بن علي) كلكته سنة 1862. أُعيدَ طبعه في طهران مَكتبة خيام 1947.
- مُحيط المُحيط، بطرس الـبُستاني مكتبة لُبنان بيروت نسخة طبق الأصل عن نسخة 1870.
- المُعجم الفَارسي الكَبير، فارسي – عربي، إبراهيم الدسوقي شتا مَكتبة مدبولي القاهرة 1992.
- مُعجم المُعرَّبات الفارسية - منذ بواكير العصر الجاهلي حتى العصر الحاضر، محمد ألتونجي مكتبة لُبنان بيروت ط2 1998.
- الموسوعة العربية المُيسَّرة، محمد شَفيق غربال، دار إحياء التُراث العربي بيروت لُبنان 1965.
ب: الأجنبية:
- The American Heritage Dictionary of the English Language, Third Edition, Houghton Mifflin Company. Boston, New York, 1992.
- A Turkish and English lexicon Sir James W. Red house, librairie Du Liban, Beirut 1996.
د مَاهر عيسى حَبيب
مقال جميل جدا ألف مبروووك😄😄😄