(1704)- عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ( سُئِلَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللهُ إِذْ خَلَقَهُمْ، أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". )
التعريف بالراوي:
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس المدني ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقال له الحبر والبحر وترجمان القرآن، ولد بمكة، ونشأ في بدء عصر النبوة، فلازم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وروى عنه فهو من المكثرين، دعا له النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"، وكان عمر يدنيه ويقربه ويشاوره مع أجلة الصحابة على صغر سنه، وأيد عليًا في خلافه مع معاوية (رضي الله عنه)، وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتُوفي بها سنة ثمان وستين وهو ابن إحدى وسبعين سنة.
مناسبة الحديث للباب:
في ظاهر الحديث بيان التوقف في أطفال المشركين، وأن الله أعلم بما كانوا يعملون في الدنيا لو عاشوا، وهو ما وافق ترجمة الباب.
معاني المفردات:
قوله: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ": الله أعلم بما هم صائرون إليه من دخول الجنة أو النار أو الترك بين المنزلتين.
المعنى الإجمالي:
تعد مسألة أطفال المشركين من المسائل الشائكة التي اختلف فيها العلماء قديمًا وحديثًا، لذا سنورد فيها الأقوال المختلفة ونذكر ما اختاره أكثر المحققون.
اختلف العلماء في مسألة أطفال المشركين على أقوال متعددة، فمنهم من يقول أنهم في الجنة، واحتج لهذا بما احتجوا به في أطفال المسلمين، من حيث إنهم ولدوا على الفطرة، وأنهم لم يفعلوا ما يؤاخذون به، ولم يفعلوا ما يعذبون به، فهم إذًا على الفطرة القويمة السليمة؛ لذا من باب العدل فهم من أصحاب الجنة، واستدلوا على ذلك بحديث إبراهيم (عليه السلام) (عليه السلام) –في صحيح البخاري- حين رآه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين، قال: وأولاد المشركين.
بينما يرى بعضهم أنهم في النار، وهذا مذهب الخوارج وبعض أهل العلم، وقد استدل من ذهب من العلماء إلى هذا القول بأحاديث رويت عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن لا يثبت ولا يصح منها شيء، فأما الخوارج، فإن كلمة المشركين عندهم ليست الكلمة التي نستخدمها، فهم يقولون: كل من ليس من الخوارج، فأطفالهم في النار؛ لأن المسلمين عندهم مشركون، بل ذهب الحال ببعض الخوارج إلى أن، قالوا: كل إنسان يبلغ سن البلوغ لا بد أن يمتحن، فإن أقر بالإسلام والإيمان -كما يصفونه هم- وإلا فإنه كافر.
في حين يرى بعض السلف التوقف في الحكم على أطفال المشركين، فلا يقول: إنهم من أهل الجنة، ولا من أهل النار، وذلك لتعارض الأدلة في ذلك وعدم وضوح شيء منها في نظرهم، ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "الله أعلم بما كانوا عاملين".
وأما القول الرابع: وهو الذي نرجحه ونختاره ونرجو أن يكون هو الصواب، ما ذهب إليه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير وجمع من العلماء، وهو: أن أطفال المشركين يمتحنون يوم القيامة، فإن آمنوا دخلوا الجنة وإن كفروا دخلوا النار، واحتجوا بحديث الامتحان، ففي مسند الإمام أحمد –بسند صحيح- من حديث الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَصَمُّ لاَ يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الأَصَمُّ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ! لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ، وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الأَحْمَقُ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ! لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ، وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ، فَيَقُولُ: رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ، وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ! مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ -قَالَ-: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلاَمًا».
ما يؤخذ من الحديث:
1- أولاد المشركين –على الراجح- يمتحنون.
2- إثبات علم الله –تعالى- بما كان وبما يكون، وبما لم يكن لو كان كيف يكون.
3- كل مولود من البشر إنما يولد على فطرته التي جبل عليها.